Ousbouh Al Harabi
Issue No 2305 December 15,2003 (Arabic)
Issue 2305 Decembre 15,2003 (Arabe)
يعيش مثل لوحاته في ربيع دائم – جوزف مطر
مشاريع كثيرة في رأسي يلزمني آلاف السنين لأنفذها .
ما الربيع الزاهر الموقع بالفرح والسعادة والأمل المعروض على متكأ جدار صالة «سبا» في فندق فينيسيا، عبر مجموعة من الأكواريل، رسمها الفنان في السنتين الأخيرتين، في لحظات سعادة تسنت له أثناء انهماكه ليلاً نهاراً بمشروع تأليف مساحته 300م2 ، والتي تعبر عن ذواته المختلفة، سوى عينة بسيطة عن (أنا) جوزف مطر المتعددة . هذه الأنا التي عبرت عن نفسها خلال سبعين معرضاً في لبنان والخارج، والتي استحقت جوائز عديدة، آخرها جائزة سعيد عقل عن الموهبة الاستثنائية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2003، تستحق منا المزيد من الغوص فيها وعدم الاكتفاء بزيارة المعرض الذي بدأ في 17 تشرين الثاني ( نوفمبر) ويستمر حتى 17 كانون الأول ( ديسمبر) بل أيضاً أن نقصد محترف الفنان ومنزله في (اده) قضاء جبيل، وحين فعلنا، لاحظنا مدى الانسجام الذي يعيشه جوزف مطر مع نفسه ولفتنا مدى التشابه بين بيته وقريته وتلك القرية النموذجية الوادعة على سفوح الجبال اللبنانية و أو تلك المعزوفة القروية التي رسمها للمعرض…
حين تزور معرض الفنان في فندق فينيسيا ستختلط عليك الأمور لوهلة، لأنه يرسم فعلاً وشعراً وموسيقى، فاذا نقلت نظرك بين لوحة وأخرى من مجموعة الأكواريل (حوالي 53 عملاً) ستشعر بالفعل، بأن جوزف مطر ينقلك من سمفونية الى لحن موسيقى لالتين كالبيان والكمان، والى ميلوديا، وهو يتحوّل في آن من شاعر ملحمة الى مغن لموشح غنائي الى إلقاء قصيدة غنائية ذات ادوار…
ربيع دائم
لقد قدّم جوزف مطر عبر معرضه أجمل المناظر الطبيعية للقرية اللبنانية بصدق وشفافية قلّ نظيرهما، فالطبيعة اللبنانية لم تعد كذلك بل تحولت الى طبيعة جوزف مطر لانه أعطاها الأبعاد الانسانية التي هي أبعاده، والاضاءة في اللوحات ليست آتية من الشمس بل من رأس الفنان… البيوت الجميلة البسيطة الوادعة على سفوح الجبال في اللوحات كلها يجمعها الحلم: فاذا نظرت الى لوحات«السماء الزرقاء» أو «القرية الزهرية» او الى مشهد «الرحيل لمجموعة من الناس» أوغيرها ستحسّ انها تدعوك لتحلم مع الرسام … البيوت القروية رسمها جوزف مطر بكل صدق من الداخل والخارج، فها هي البيوت القديمة ذات السقوف الخشبية، وهذا هو السلم الخشبي الى جنب درج السطح، وهذه أوعية الشتول مصفوفة، وهنا «العريشة» و «الغسيل» المنشور على الحبال يدل على الحياة الروتينية في هذه البيوت. وفي لوحة الهضبة تحديداً نرى بيوت القرميد الصغيرة الجميلة التي تشبه القرية النموذجية المثالية التي يطمح اليها كل انسان….
المشاهد التي صورها جوزف مطر كلها تجعلك تشعر بأنها حميمة، قريبة جداً الى القلب وكأنك كنت تسكن فيها في يوم من الأيام، و يحملك الحنين أحياناً الى طفولتك وقد يبدأ شريط الذكريات الجميلة خصوصاً اذا توقفت عند لوحة « حنين» أو «نوستالجيا» …..
السماء قريبة ومختلفة في مجموعة جوزف مطر وكل لوحاته تنطق بالحركة، لدرجة اننا نكاد نشعر بالهواء والريح…
وحين ذكر أن هذا المعرض يعبّر عن ذواته المتعددة في بطاقة الدعوة الى المعرض، كان يعني ما يقول لأنه لا يمكننا ابداً ان نفصل جوّ اللوحات عن طبيعة الرسام، فهذه الأعمال تعبّر عن الربيع الدائم الموجود في حياة الرسام وهذا الفرح والتفاؤل ينبعان من قلب الفنان وكذلك تلك الدينامية الملفتة…
المشاريع كثيرة والعمر قصير
فأعوام جوزف مطر الـ 67 لم تتعبه ولم تخفف من حماسته «أنا أرسم كثيراً : بالرصاص بالفحم بالزيت بالماء بالأكريليك وبالباستيل بالشمع … لايهم كل التقنيات أمتلكها وأنا قادر على تحويل أي موضوع الى لوحة، أرسم يومياً على الأقل ساعتين والوحي يأتيني أثناء العمل… أنا استيقظ يومياً في الثالثة ليلاً، وأتمنى ألا أنام، لدي مشاريع كثيرة في رأسي اذا اردت أن أنفذها يجب أن أعيش عشرة آلاف سنة على الأرض لكن للأسف الوقت الأرضي لا يكفي… ان عمرنا قصير جداً » .
وطبعاً هذا النشاط مذهل لفنان أعطى الكثير وهو يعرض أعماله منذ خمسين عاماً … و هو بالمناسبة لم يزل يذكر انه لم يكن يبيع كثيراً في البداية وكان سعر لوحته مئة أو مئتين ليرة، بينما اليوم وضعوا له «كوتا» وسعروا لوحاته الى جانب أعمال كبار الفنانين في العالم ضمن قاموس خاص وضعه فندق «درو» في باريس سيكون قريباً في المكتبات اللبنانية …
جوزف مطر منشغل حالياً بالأعمال الكبيرة، لوحات بطول مترين أو ثلاثة أمتار وهو يعمل حالياً على صورة كبيرة 300م2 يقول انه يلزمه ثلاث سنوات لانجازها. لكنه لحسن الحظ استطاع ان يمرر هذا المعرض الصغير للوحات أكواريل انجزها خلال العام المنصرم وكما يقول غالبيتها تأليف، وبعض مناظر من الطبيعة اللبنانية وبورتريه .. وهو الحريص دائماً على أن يضمن معارضه لوحة أو لوحتين رسم dessin …
الرسم مهم جداً بالنسبة الى جوزف مطر «بواسطة الرسم يمكنني ان احكم على مهارة الرسام، رسمة واحدة رسم أولي «كروكي» يكفي لأحكم على موهبته». واستشهد جوزف مطر بالفنان الكبير أنكر الذي كان يقول : اذا اردت ان اؤسس اكاديمية للفنون وأعلم فيها سأجعلها مدرسة رسم DESSIN ، سأعلم الطلاب الرسم خلال خمس سنوات وبعدها ينطلقون، وهذا الأمر صحيح لأن الرسم اساسي جداً خصوصاً ان اللون أمر شخصي جداً بالنسبة الى الفنان وكذلك النور.
الفرح والتفاؤل
أما هذا الربيع الدائم الذي نراه في المعرض فهو موجود أساساً في روح الفنان ، فهو بطبيعته مسالم يحب لبنان ويحب الناس، والأهم انه متفائل جداً. لم يدع اليأس يسيطر عليه بالرغم من سنوات الحرب القاسية: « أنا بطبيعتي متفائل لم أسمح لليأس بأن يترك بصماته عليّ، حتى في اسوأ ايام الحرب، كنت أقول دائماً ستظل الشمس تشرق كل يوم، ولم أقطع الأمل، لقد رسمت كثيراً أثناء الحرب، لكن مهما كان الموضوع كان هناك خلاص في رسوماتي. أنا أؤمن بالخلاص، حتى الظلال في لوحاتي ملونة، وهي تشاطر ألوان الصورة كلها » .
وهذان الفرح والتفاؤل ينطبقان على مئات اللوحات التي انجزها جوزف مطر المحفوظة في محترفه في (اده) والتي لم يسمح لنا الوقت سوى بالاطلاع على جزء يسير منها…
فجوزف مطر لم يرسم فقط الطبيعة بل اخذت منه موضوعات أخرى حيزاً كبيراً من الوقت والاهتمام. لا سيما لوحات «العري» وهنا تجدر الاشارة الى ان العري عند هذ الفنان مختلف، لا يدخل في اطارالاباحية أو اثارة الشهوات، بل هو العري المقدس الذي يمكن عرضه في كل مكان لأنه يرفع الانسان وليس العكس، فهو يرسم العُري من منطلق أن الجسد مقدس والمرأة بنظر الفنان هي مصدر الهام لا ينضب: « المرأة هي رمز الجمال، هي الأم، هي العطاء، هي الشعر، المرأة هي الطهارة والسر والحلم ولا يمكن أن نذكر المرأة دون أن نذكر الرجل هذا الثنائي الجميل» …أحد المعارض خصصها جوزف مطر لموضوع الثنائي …
والفرح موجود في كل الأعمال، في لوحات المرأة كما في لوحات الفن المقدس، التي نجد فيها الفرح الالهي والخلاص.
أكثر من مئة لوحة خصصها الرسام للفن المقدس فرسم «سفينة نوح» ، و « حلم يعقوب» و «بناء الهيكل» الى جانب رسومات كبيرة عرضت في كنائس مثل صورة القديس اميل « متران ونصف المتر» في كنيسة القرية البقاعية في قب الياس وبعض الصور عرضت في كنيسة في بلدة غوسطا… ولا ننسى ان الفنان رسم ايضاً العديد من الزجاجيات وهي عبارة عن زخارف من زجاج مرصوفة مختلفة الألوان تزين بها الكنائس عادة، ورسم الطبيعة Nature morte وتطرق الى العديد من الموضوعات الأخرى.
مهم ان نذكر ايضاً ان جوزف مطر لا يعيش فقط في المكان بل في الزمان ايضاً « هذه اللحظات التي تمر زمان نعيشه وهي جد مهمة». الفنان يقول: الله لم يخلق المدى فقط بل ومعه الزمان، هذا مع العلم ان قلائل تطرقوا الى موضوع الزمان، فلاسفة اليونان أرسطو وافلاطون.. لم يتجرأوا ، حتى جاء القديس أغوسطين فتكلم قليلاً عن الزمان، وبعده كوبرنيك وفي الأوقات الحديثة جاء بوان كاري وانشتاين .
الايمان بالتطور
لا شك في ان الوقع السريع للأحداث وسرعة وسهولة الاتصالات وعصر الكومبيوتر والعولمة أثرت على العالم كله وتحولت الأرض الى قرية صغيرة، والفنان الذكي هو الذي يدخل نفسه في صلب هذا النظام الجديد ويعرف كيف يستفيد منه. جوزف مطر يؤمن بالتطور وقد ترجم ايمانه عملياً بتأسيس موقع له على شبكة الانترنيت منذ العام 97 باللغتين الفرنسية والانكليزية… الموقع الخاص بالفنان يزوره يومياً أكثر من ألف شخص .
«الانترنيت مهم جداً ويجب أن نماشي العصر: معرضي في بيروت يزوره 300 الى 1000 شخص، خلال مدة العرض كلها، لكن موقع الانترنيت يستقطب ألف زائر لا أعرفهم، يطلبون أعمالي وأنا ابيع لأناس لا أعرفهم عبر الانترنيت، هذا بالاضافة الى الرسائل التي لا تُحصى والتي تردني عبر البريد الكتروني… »
موقع جوزف مطر على الانترنيت نرى من خلاله المحترف ومجموعة أعمال الفنان المقسّمة الى فروع وتصنيفات مجموعة المناظر الطبيعية ترافقه نصوص شعرية كتبها الفنان، ومجموعة الزيتيات، والمائيات، الدراسات… ويمكننا ايضاً رؤية مجموعة ألوان الفنان أو الـ Palette التي لا يرميه مطر بل يرسم عليها صورة لها علاقة بعمل أساسي …
وتحت عنوان ما الجديد what’s new تطالعنا كل المراحل التي رسمها الفنان، ليصل الى الصورة النهائية، وفي الموقع نفسه عنوان مخصص للصحافة فنجد كل المواضيع الصحافية التي تطرقت أو كتبت عن فن جوزف مطر ونجد ايضاً في الموقع سيرته الشخصية وكل الجوائز التي نالها وبينها الجائزة الأخيرة: جائزة سعيد عقل في يتشرين الثاني ( نوفمبر) 2003 .
والموقع في عملية تحديث مستمرة يضاف عليه الكثير يومياً ويحذف منه ايضاً يشرف عليه منذ تأسيسه الى جانب مواقع أخرى مهمة لنجل الفنان، مهندس الكومبيوتر والمحامي وليم مطر .
إكتشفوا لبنان
وهناك موقع ثان أسّسه وليم مطر ايضاً بالتعاون مع مجموعة من الأصدقاء والخبراء عنوانه Lebanon.art.net يخبرنا عن الفنانين في لبنان والدول العربية والعالم، عن الرسامين والمصورين والشعراء و… يمكن أن نتعرف من خلاله على الرسامين ونشاهد أعمالهم وقريباً يتحول هذا الموقع الى onefineart.com . .
وبين هذه المواقع المهمة يأتي موقع lebanonpanorama.com وهو تاريخي سياحي عن لبنان يمكننا من خلاله ان نشاهد صورة بانورامية عن لبنان والتوقف عند أية منطقة لنتأملها مثل بيبلوس، بيروت، بعبلك، زحله، قانا … وهناك نصوص ترافق الصور بالفرنسية والانكليزية، تجدر الاشارة الى ان هذه النصوص غير منقولة بل كتبت خصيصاً للموقع.
الموقع باختصار، هو أشبه بدليل مشهدي يتوجه الى كل الذين يرغبون بالحصول الى معلومات تاريخية ويكونون فكرة عن بلاد الأرز فتتيح لهم نظرة كاملة ومعلومات وفيرة عن المناطق…
أما فكرة تأسيس الموقع فيقول وليم مطر بدأت الفكرة فعلياً بعد تصميم موقع lebanonart سنة 97 وهو اهداء للفنان الوالد جوزف مطر ، وبعده موقع الفن اللبناني سنة 99 الذي يشتمل على كل أنواع الفنون. وبسبب ردود الفعل الايجابية التي تلقيناها من الناس الذين يرغبون بمشاهدة لبنان عبر مواقع االانترنيت يقول وليم: جاءت فكرة تصميم موقع خاص يتيح للراغب مشاهدة المناطق المتنوعة الجميلة عن لبنان عبر الانترنيت.
وأهم ما يميز هذا الموقع انه الوحيد الذي يظهر البلد بكامله بصورة وهمية. والنية معقودة لإضافة أقسام جديدة على هذا الموقع، تتعلق بالفنادق والنوادي والمطاعم وكل ما يحتاجه السائح من معلومات .
كوثر حنبوري