جوزيف مطر: اللون خبرة حياة – حاورته: ضحى عبدالرؤوف المل – كاتبة لبنانية
الصباح الثقافي – الأربعاء 5 تشرين الأول 2022 العدد Wed. 5 Oct. 2022 Issue No. 5508
رسالتي ورحلتي في هذا الكون تجعلني ملتزمًا بما أقوم به، لأنّه خير للبشرية وللإنسان، بحقل الفنون ابداعات لا حدود لها، وأنا لا أضع سقفًا للأبداع والبحث، أنا اؤمن بالتطوّر وقدرة الإنسان حكمة الحياة، وما أجمل هذا السؤال كلمة حكمة تطربني وتشجعني، الحكمة أحملها بنفسي قبل أن تتفجّر على اللوحة أو على الورقة، ويشع منها النور قبل شروق الشمس.
يحاول الفنان التشكيلي جوزيف مطر اختصار مفاهيمه الجمالية عن الفن المقدّس Art sacré، فهو يؤمن أن الفن هو لعبة خلق جديّة والفنان هو خلاّق ومبتكر، فلا توجد صبغة للفن، كما لا توجد صبغة للجمال المنبعث من آيات الله، لا يوجد إله للمسيحيين وآخر للمسلمين وإله آخر للبوذا والبرهما، هناك إله واحد وجنة واحدة وإنسان واحد خلقه الله على صورته. الإنسان الفنّان الخلاّق المبدع يخلق عمله الفنيّ ويعيش عملية الخلق، الفرق أن الله لا حدود له، وأن الإنسان له حدوده . وإذا لم يكن عمل الفنان خلق وابداع فلا قيمة له، يمكن أن يكون الفنان فيلسوفًا ومفكرًا لما لا؟ فالإنسان أمامه امكانيات عديدة في حقول التعبير منها مثلاً العلميّة Scientifiques ، أي يستطيع أن يبدع ويخترع ويكون عالمًا عظيمًا في شتّى حقول العلم، الفلك، الطب، الصحة، الزراعة، الميكانيك، الرياضات الفيزياء الكيمياء، الحقل النووي.. إلخ، كما انه يستطيع أ يتعاطى مع الفن من أدب وموسيقى ورسم، نحت وبناء وكل أنواع الفنون الرقص والسينما والشعر، أي حقل الفنون L’Art . حقل واسع وبامكانه أيضا أن يكون وأن يصل إلى أعلى درجات القداسة، ويعبد ربّه ويفكّر بالوجود وباللاهوت والفلسفة، اي حقل الدين .La Religion
وهذا ما يمكن لمسه في رسوماته كافة، وباختصار أنا عندما تتكلم ريشته عن الفن المقدّس، يعني أن الفن بالنسبة له يتمتع بخاصية قدسية. فالعمل الفني عمل خلق أكان فنٌّا تشكيليا، شعرًا أم موسيقى.. إلخ، هو عمل كعمل الله تحيطه المحبة والقداسة والاخلاص والعطاء والمعرفة، ومع الفنان التشكيلي جوزيف مطر، أجرينا هذا الحوار.
– حكمة الحياة حملتها لوحاتك، هل يمكن اختصارها بكلمة خلود الإنسان؟
أنا إنسان مثل كل الناس لست أفضل منهم، لي نظرة خاصة طبعًا، تريدينها فلسفة فلتكن، لا يهمني الخلود والعظمة والشهرة، أنا أتأ إذا رأيت هرًا جائعًا في الشارع، أو أي إنسان يُزّل ويهان وتسرق حقوقه، ويموت جوعًا وألمًا.
الفنان Degas رسّام الراقصات والأحصنة. كان يردّد Je voudrais être illustre et inconnu أريد ان أكون لامعًا ومجهولاً ». كنت صغيرًا عندما أسَّس الأب الكبوشي يعقوب الحداد المستشفيات والأديرة والمياتم ودور العجزة.. وقد عرفته، كان الأب يعقوب يوعز إلى الراهبات العاملات معه: لا يهمني طائفة أو جنسية أيَّ مريض، بل معالجته وتخفيف آلام الناس مهما كان وضعهم الاجتماعي، أنتم لخدمة الناس المتألمين، كان ولم يزل مستشفى دير الصليب ومدارس ومياتم الأب يعقوب ملجأ لكل الناس، من دون أي تمييز.
– هل يسعى الفنان جوزيف مطر إلى تشكيل دورة الحياة للولوج إلى البنية الأساسية لفن الرسم؟
أنا في حقل أعمالي متفائل وأشكر الله على نعمه، أرى الشمس والنور كل يوم أحب الناس، والناس تحبني. لا غموض في حياتي، ومن خلال المواضيع التي أعالجها، أعالج مشكلاتي وأحاسيسي وأفكاري، ورأيّ المتعلق بالبيئة والأصدقاء والوطن والله.
من أعزّ الأشخاص على قلبي كان الفنان عمر أنسي وزوجته وآل أنسي عامة، حيث ترعرعت في دارهم، ولم أزل أعزّ الأصدقاء مع من تبقى من العائلة، والفنّان رشيد وهبي، وكان والده أحد مشايخ بيروت، وظلت صداقتنا حتى آخر رمق من حياته، كنت بقربه في مستشفى المقاصد أثناء الأحداث لآخر دقيقة، لم أتركه. أما عن حكمة الجمال في رحلة المحبة والسلام، فهذا موضوع لكتاب أو لمحاضرة طويلة تُعالج فيها القيّم الإنسانيّة, Le vrai, le beau, le bien, les valeurs ، أي الحق والجمال والخير وهذه القيّم بالترتيب تمثّل مراحل من حياة الإنسان، الحق من عمر 20 إلى 40 سنة، الشباب الثائر لإعلان الحقيقة والحقوق والحرية الخ.. حتى الموت. أمّا الجمال فهي مرحلة من النضوج الإنساني والابداعي من عمر 30 إلى 60 سنة هذه المرحلة – الفنان والمفكرون والمبدعون انجزوا الكثير من أعمالهم. إنما الخير فهي المرحلة الأخيرة، مرحلة العطاء والنضوج والحكمة والمحبة والتضحية والفكر العميق الخ.. المسيح صُلِب وقدّم حياته بشجاعة بعمر 33 سنة، الاسكندر سيطر على الكون عمره أقل من 30 سنة، ونابوليون بونابرت امبراطور فرنسا وأوروبا والعالم بعمر أقل من 40 سنة، وهنيبعل وغيرهم.
رسالتي ورحلتي في هذا الكون تجعلني ملتزمًا بما أقوم به، لأنّه خير للبشرية وللإنسان، بحقل الفنون ابداعات لا حدود لها، وأنا لا أضع سقفًا للابداع والبحث، أنا اؤمن بالتطوّر وقدرة الإنسان حكمة الحياة، وما أجمل هذا السؤال كلمة حكمة تطربني وتشجعني، الحكمة أحملها بنفسي قبل أن تتفجّر على اللوحة أو على الورقة، ويشع منها النور قبل شروق الشمس.
– نشوة الرسم وسحر مزج الألوان كيف تختصره؟
هناك شموس قوّة نورها أقوى بعشرات وألوف المرّات من نور شمسنا، هذا هو الكون المدهش والمليء بالأسرار. كنت أحب أن أدعوك وأولادك وزوجك لزيارة المحترف، فنتكلّم بأي موضوع تريدينه، الألوان التي تباع في محال الرسم والألوان، التي تخرج نقيّة شفافة من أعماق القلب هي غيرها، بالنسبة لي ولغيري من الفنانين، الألوان هي قناعة واحساس وخبرة وحياة، جميع أسئلتك يجمعها عنصر واحدّ الحكمة، اللانهاية، خلود الإنسان، النور المنبعث من اللون، روحيّة اللون ودورة الحياة، الكون ومفاهيمه. سأنتقل واياك إلى موضوع آخر يتعلق بحياتي، منذ طفولتي ومغامراتي في الحقل الفني وما أقوله لك الآن أطول وأهمّ من ما سردته عليك لكنني سأكون أكثر اختصارًا. الفن حقل صعب للغاية وليس للتسلية، أيًا كان شعرًا أم نحتًا أم رسمًا الخ.. يتطلّب الفن الكثير من العمل والتضحيات والمعرفة والقدرة، والمحبة و الارادة والعطاء، أي على الفنان المبدع أن يفهم مهنته جيدًا كتابةً كانت أم تكنولوجيا أم وسائل حديثة عديدة تتعلق بالمهن من حيث التنظيم وقواعد اللعبة …والارادة. هو يعمل لأنّه يريد بشغف أن يخلق لا أن يمضي وقته كأنه في فيلم سينمائي. وعليه أن يعشق عمله بمحبة شبه إلهيّة الأحاسيس، التي تحوّل النثر شعرًا وموسيقى وأن يصل بعمله إلى نقطة شعرية، فهذه المرحلة هي الذروة في الفن.
كما أن الفنان تسيان Titien كان عمره فوق 80 عام سأله أحد تلامذته ماذا تفعل؟ أجابه أن أدرس، فتح هذا التلميذ وسأله كيف هذا؟ فأجابه أنا أتابع دراستي لآخر لحظة من حياتي. ابتدأت أرسم كالأطفال من عمر 8 سنوات، ولم أزل أرسم وأبحث منذ 80 عاما فالقصة طويلة. دراسات في المحترفات والمعاهد المحلية والعالم والمعارض في كل أنحاء العالم أوروبا، أميركا، أفريقيا، لبنان، العالم العربي، الامارات بصورة خاصّة والمشاركة في معارض جماعية في جميع أنحاء العالم.