Alwatan Alarabi
Issue 1402 – January 2004 (Arabic)
Issue 1402 – Janvier 2004 (Arabe)

مع جوزف مطر الرسام المتفجّر ألواناً أغنى من قوس الغمام
الله أعطانا كل شيء فلماذا لا نكمل عمل يديه؟

قال فيه «جان دولالاند» هذا الإنسان المتجدد دائماً بقصائده والوانه وأشكاله الساطعة كنور الشمس. في يده ملونة من ذهب وفرشاة من ضوء، إنه الربيع الدائم. كل شيء بين يديه يتحول الى نور، فهو، بما اعطى من حب وشغف، يُنطق الخطوط والتصاميم والأشكال والألوان بهاءً.
جوزف مطر هذا المسافر في بلاد الصوّر والألوان والأفكار والأحلام، يفجّر الصخور والبيوت، والشخصيات والآفاق ألقاً وضياء. هذا الفنان العالي النبرة الجهوري الصوت الذي تشعر وهو يتحدث إليك بأنه جردى قُدّ من صخر يذوب رقة وشفافية على القماش ويتحول كل شيء بين انامله إلى ذوب من الحنان والدفق الحريري الملمس.
معه كان هذا الحوار المشحون بتعابير تتجانس فيها الروحانية القداسية مع تعابير الإبداع والخلق المكمل لعظمة الخالق.

ما هي آخر أعمالك وما هو آخر معرض أقيم لك، وماذا يمثل؟
– أقيم في الوقت الحاضر، في أوتيل فينيسيا إنتركونتيننتال معرض مائات، من نوع التآليف التي تمثل مجموعات من البشر والمناظر الخلابة، وقد أطلقت عليه عنوان: «إعادة الخلق» انطلاقاً من أن الفنان يعطي ما يراه الناس صغيراً ولا قيمة فنية له أبعاداً إنسانية هي ابعاده الروحية، فالمشهد ليس بيتاً ولا شجراً ولا سماءً ولا شمساً، هو حالة نفسية، ومن هذا المنطلق يمكن الولوج الى عالم رسومي .
حتى النور الذي يراه المشاهد في اللوحة ليس هو نور الشمس، بل هو النور الذي يخرج من ذات الفنان، أي من الداخل، والألوان كلها التي يخرجها الفنان انما هي تنبع من الداخل، والا جاءت اللوحة مجرد عمل جامد لا يستحق الأهتمام ولا قيمة له. وقد حرصت في هذا المعرض على أن أقدم فقط مائيات.
أما بخصوص آخر عمل لي، فانا أنكب في الوقت الحاضر على تنفيذ لوحة مساحتها ثلاثماية متر مربع، ويستغرق تنفيذها عدة سنوات من العمل المتواصل والجد والتعب. العمل الفني الإبداعي ليس سهلاً كما يتصور البعض، حتى لو اقتصر على كتابة أربع أو خمس كلمات، من هنا عليك أن تتصور كم يتطلب تنفيذ هذا العمل، جدية وتواصلاً وانكباباً ليل نهار .

… وعلى ماذا يدور موضوع هذه اللوحة؟
الموضوع الأساسي هو «أنا» من خلال لعبة الخلق مروراً بأفلاطون والفلسفة اليونانية والعهد الروماني، فالمسيح، فبولس الرسول، حتى عالمنا اليوم انتهاءً بسعيد عقل وكل هذه الحضارة العظيمة التي نعيشها ويعتبر هذا العمل تمجيداً وتخليداً لدور المرأة في لعبة الخلق.
هذا بالاضافة الى مواضيع مختلفة من رسوم عاريات الى تآليف ومناظر وبورتريهات مما يشغلني من الثالثة صباحاً حتى العاشرة ليلاً، مع العلم انني توقفت عن ممارسة التعليم الجامعي في كليات الفنون.

الألوان والتقنية في رسومك تدل دلالة واضحة عى ثقافة عالية وتمرس مميز وخبرة فنية راقية، فأين هوموقعك في عالم الفنانين المعاصرين؟
– خبرتي الفنية تزيد على 58 عاماً، أمضيت منها 48 عاماً في التدريس، الجامعي، مع العلم أنني قمت بدراساتي الأولية في لبنان مع الفنانين عمر أنسي وجورج قرم ورشيد وهبي. ثم أمضيت ثلاث سنوات في إسبانيا، حيث حضَّرت اطروحة دكتوراه، ثم حضَّرت اطروحة ثانية في باريس، والاطروحتان تبحثان عن تقنيات الرسم والتصوير عبر التاريخ. أنا من الفنانين المعاصرين ولا احب ان اصنف نفسي في خانة معينة، أنا اعيش عصري كبقية الفنانين، هناك رهط من الفنانين التشكيليين الذين اعتمدوا اسلوب التجريد وهم ممتازون، كما ان هناك غيرهم من الفنانين الانطباعيين على مستوى جيد. كل فنان يعبّر بالطريقة التي يرتاح اليها، اذا كان مخلصاً يقدم اعمالاً جميلة وجيدة، وإلا فالإناء ينضح بما فيه.
أنا اعتمد كثيراً على الرسم ويجب أن يكون لدى كل فنان تكوين وإعداد جيدان في حقل الرسم، كما كان يقول الفنان الفرنسي «أنغر» إذا اردت ان تنشيء معهداً للفنون الجميلة انشيء مدرسة واكتب على مدخلها «مدرسة الرسم» واخضع الطلاب الى خمس سنوات من الدراسة والرسم وبعد ذاك فليشق كل واحد طريقه، فالفن لا يُعلّم، المعلم هو التقنيات » .

هل يفهم من اقتصار معرضك الأخير على المائيات، أنك في صدد التخلي عن الزيتيات بعد إنجاز لوحتك العملاقة، أم أن في ذلك الدليل على تعديل خطك الفني؟
– أن اليوم في الخط التشكيلي الواقعي الانطباعي، «ميكل انج» عندما رسم الخليقة في السكشين، رسم بعد نصف قرن تقريباً الدنيونة الأخيرة . كان لا يزال في نفس الخط ولكنه تطور. كل فنان خاضع للتطور في اعماله. أنا اعرض دائماً لوحات زيتية مع بعض الرسوم والدراسات، هذه المرة اعتمدت المائيات انسجاماً مع واقع متواضع ومنمنم. ولكن هذا لا يعني انني سأتخلى عن تقنية معينة، انا أرسم كل التقنيات.

ما هو رأيك بالأجيال الشابة من الفنانين؟
– لدينا أجيال من الفنانين الشباب ذوى المستوى الممتاز.

يلاحظ في اعمالك وفي خطوطك نفحة روحانية تتماهى مع ما يسمى «الفن المقدس» .
– كل عمل فني في حد ذاته يحمل معه جوهرالقداسة لأن أعمال الفنان أشبه بأعمال خالقه العظيم، وكل أعمال الخالق العظيم ذات أبعاد مقدسة وتحمل في ثناياها روح الله من حبة الرمل الى أكبر عبقري.
حتى العاريات في لوحاتي ليست عاريات للغواية والشهوة، إن فيهن روح الأم والأنوثة والوحي والشعر. إنهن يمثلن المرأة النعمة والبركة، كذلك الحال بالنسبة للمناظر التي أرسمها أو أي موضوع أعالجه. هناك نفس مقدس نستمده من الله .

بوصفك رساماً ومتعمقاً في التقنيات إلى ماذا تحتاج عملية الخلق؟
– الرسم والتقنيات كمواد أكاديمية أومدرسية هي في متناول أي شخص، إذ إن باستطاعة أي انسان أن يتعلم الرسم ولعبة التلوين وكل ما يتعلق بالتكنولوجيا والخبرة، هذا من الناحية التقنية الأكاديمية. أما لعبة الخلق قلا يتعلمها، فهي كالقداسة ليست باستطاعة أي كان أن يصل الى أعلى درجات القداسة إلا القلة القليلة وما ينطبق على لعبة الخلق ينطبق على لعبة الاكتشاف في العلم فليس كل واحد عالماً.
باستطاعة الإنسان أن يصل الى العلم والفن والقداسة وهي حقوق وصفات خلقها له الله كي يستثمرها ويستغلها لمصلحته ويعمل علىتطويرها .

هذا الكون العظيم الجميل الرائع ما قيمته وقيمة خالقه لولا ذكاء الإنسان وعبقريته. هذا الإنسان الذي ينطق بعظمة خالقه ويمجدها؟