NDU Spirit
An article from March 2001 – Issue N’ 24, (Arabic)
Un article du numero 24 – Mars 2002 (En Arabe)
جوزف مطر .. نهارٌ ريشتُه ومعه:
أنت مع جمع منفرد
وفي سدة حوارات الوجدان وما يلي …
إنهُ ابن الخليج، خيرُ ما سعت به قدم صوب موانىء الدنيا، وعلى منكبيه همّ الخطوط والألوان. يصوغ بها أحلامه ورؤاه وهواجسه.
منذ يومَ وقفَ بالمحابر في صدر مكتبة بجونيه، وكان دون اليفاعة، وصدرُه عامرٌ بالدهشة، تترجمها حركاته وسكناته، بل تلك «العجقة» في عينيه ويديه وذَرابة لسانه.. لكأنه يريد أن يلتهم كلَّ كلِّ وتفصيل.. وهو ما تحدّثك به لوحاته، حيث التأليفُ الكثيف يتماهى وروح الحالة الذهنيّة النفسيّة وما يومض ويخطر بأبواب اللحظات…، فلأنت حيالها، كما حياله، في سدّة حوارات الوجدان وما يلي، .. وإذا ما قد يبدو عاصفةً هو الصفاءُ بعينيه، وما قد يبدو تنافراً هو التناغم والألفة .
مع جوزف مطر، أنت مع جمع مفرد، متعدّد الموضوعات والتقنيّات، سيّد.. ضخم فخم، لكنّه أليفٌ لطيف: قلبه على لسانه، ولسانه مثلُ قلب النهار.. ونهارٌ ريشته!
كان عمري 8 سنوات، وأنا ابن جونيه، هذا الخليج الرائع الجمال، قبل أن تشوّهه أيدي الهمجية… وكنتُ تلميذاً في مدرسة الإخوة المريميين (المركزية اليوم)… إذ رأيتُ، وللمرّة الأولى، في واجهة مكتبة، محابرَ ملوّنة بخمسة أو ستة ألوان من الحبر الصينّي، ما استوقفني وأسرني، وحملني بالتالي على مراكمة «خارجيّتي» قرشاً قرشاً، وكان سعرها لا يتجاوز المئة قرش، أي الليرة فقط لا غير.
ولمّا أصبحت في حوزتي واطمأنّ قلبي، بدأت أخطو أولى خطواتي في مشوار الأشكال والألوان، وعلى «نيّة الله» فلقد كنت أجرّب وأختبر على هواي، بلا حسيب أو رقيب،… وأنمو بالقيمة والقامة على غرار طفل المغارة إذا جاز التشبّه!
• إذاً هو الحبر الملّون ناداك..
– وأنا لبيّت النداء .
• والبيت والمدرسة؟
– لم يكن جوّهما ما يشجّع أو يحرّض ويحفّز، الهمّ إلاّ ما ان يطلبه منّا الأستاذ المسؤول، لضبطنا في ساعات الفراغ، من رسم أبريق وزهرة وتفاحة.. فالنشاط الفنّي غائب، ولا من يحسّ ويدري .
• والدنيا بألف خير ...
– عندي لا ! فقد كان يُقلقني البحث عن أدوات الرسم، بل اختراع تلك الأدوات، فرشاتي الأولى والثانية والثالثة… صنعتها بنفسي من ذنب البقرة والحصان وسواهما. ثمّ اشتريت « المغرةّ، التراب الملوّن»، ومزجته بالزيت الصناعي.. هكذا ببدائية من دون الارتكاز إلى أية قاعدة علميّة وتقنيّة.. إلى أن أصبح الصغير فتياً.
• وفي زمن الفتوّة...
– ازدادت جرأتي وتفتّحت آفاقي، ورحت أتردّد على بعض المحترفات وأتابع حركة المعارض وأطالع ما يُنشر حولها في الجرائد والمجلاّت…، ذلك كله إلى أن تعرّفت، في الخمسينات، إلى فنّاننا اللبناني الكبير عمر أنسي.
• نقطة تحوّل...
– كبيرة جداً. هنا بدأ العمل الجدّي.. الأكاديميّ المنطقيّ. وقفت على الطريق الصحيح. ثم نشأت بيني وبينه حكاية عمر من الصداقة دامت حتّى وفاته. وتعرّفتُ، في الوقت نفسه، على فنّانينا الكبيرين أيضاً: جورج قرم ابن داود القرم، ورشيد وهبي، وربطتني بهما صداقة دامت إلى الممات.
وإنّي كنت أتردد على محترفات هؤلاء الثلاثة بشغف، أطلب المعرفة والخبرة والرأي والنقد… فقد كان ذلك شبه حالة جامعيّة لفنّان ناشىء، في وطن لم يكن فيه إلاّ الأكاديمية اللبنانية. وفي هذه الأثناء، وتحديداً منذ 1955، بدأت أشارك في المعارض المختلطة، أي دخلتُ فعلاً في اللعبة الفنيّة..
• ألم تحصّل دراسة جامعيّة؟
– بلى، سافرت سنة 1961 إلى جامعة مدريد – معهد الفنون الجميلة ، فحضّرت إجازة عليا ودبلوم بروفسّورا . وفي باريس حضّرت دكتوراه في التكنولوجيا. وتنقّلت في بعض المدن الإيطالية، وفي عواصم أوروبية أخرى، أجول على المحترفات والمتاحف والمكتبات أختزن المعارف والأذواق، مدركاً أنّ طريق الفنّ صعب لأن العمل الفنّي هو عمل تأليف وخلق، ما يتطلّب الكثير من الجد والكدّ والتعب فضلاً عن الوحي والإبداع…
• وعندما عدت إلى لبنان، كيف كانت الانطلاقة الجديدة؟
– حرقتُ أعمال أكثر من عشر سنوات.. صارت كلّها دخاناً لتسخين المياه في جونيه.
• وبعد ؟
– رحت أعالج مواضيع عدّة: وجوه، مناظر، طبيعة صامتة، أمور دينية وتاريخيّة.. لا يهمّ، وبكل التقنيات زيتيّة، مائيّة، حبر ، طباشير … وأيضاً لا يهمّ.
• وعلى صعيد المعارض…
– منذ عودتي من مدريد سنة 1964، أقمت سلسلة معارض في بيروت وجونيه وشتّى أنحاء العالم، بحيث تيّسر لي الدوران حول الكرة الأرضيّة كلّها(أكثر من 4 معارض في أميركا، وأكثر من 8 في باريس، وفي ليون وكان وروم ومريستيل، وفي الكويت والإمارات …) أنا لا أنام، أعمل ليل نهار. وعندي أنّ الانسان، هذا المخلوق، هو خلاّق أيضاً؛ فالعمل الفنّي خلق وشعر.
• هل يمكننا القول: إنّ جوزف مطر عالج مختلف الموضعات بمختلف التقنيّات؟
– صحيح وأنا أؤمن بالتطوّر.
• أنت فنّان معاصر...
– أعيش عصري، وأعبّر عن رأيي بأسلوبي وفق مكونات شخصيّتي ..
• ولك باع في التعليم ...
– في حقل التعليم، قمت بأولى الخطوات الاصلاحيّة في دور المعلمين، وفي المدارس التكميليّة والثانويّة، وفي المدارس الخاصّة أيضاً، .. مؤكداً على دور الرسم في التنشئة وكوسيلة للايضاح ولتوعية الطلاّب..
• كيف ترى الحركة الفنيّة في لبنان؟
– هذه الحركة عمرها أكثر من 100 سنة وهي سليمة. ففي لبنان فنّانون عديدون ذوو مستوى وموهبة، وهذه الحركة لا نستطيع فصلها عن شموليّة الحركة العالميّة.
• ووزارة الثقافة؟
– كنت أتمنى لو أنشأت بعض المتاحف في بيروت وسائر المدن وضواحيها …
جورج مغامس