Al Sada Magazine
October 2010 (Arabic)
Octobre 2010 (Arabe)
مقابلة
جوزف مطر رسام الضوء
الإنسان أساس كل عمل فني
بيروت – الصدى
جوزف مطر فنان أستاذ، وصاحب نظريّة وتقنيّة، متحرر من ثقل أي نظام فنّي. يعبّر عن نفسه في الضوء الذي يتجلّى كلامًا ولوحات توزّعت في غير بلد من العالم من خلال معارضه التي فاقت الخمسين معرضًا، وكانت آخرها في ثلاث دول أوروبيّة.
هو من مواليد العام 1935، درس في لبنان وفرنسا وإسبانيا. يتقن لغات أربع، ويحمل غير شهادة جامعية عالية، كان آخرها دكتوراه من فرنسا، التي كتب شعرًا بلغتها، من دون أن يهمل وضع دراسات إنسانية في الفن والإنسان والقضايا المجتمعيّة.
لاقت لوحاته التقدير والإعجاب في العالمين الغربي والعربي، من الكويت إلى أبو ظبي، فمصر، والسعودية وسوريا والعراق والأردن. ونال عليها جوائز ونجاحات، وأضيف اسمه إلى جانب الكبار في غير موسوعة فنيّة.
«الصدى» التقته، وحاورته:
ـ لم يغب النور عن ريشتك، وربما هو من الصفات الأساسية في أعمالك لماذا؟
* ريشتي مغموسة بالضوء الذي يضجّ فرحًا ولونًا، وهو في هويتي الفنية من العلامات المميزة لكن قراءة اللوحة لا تكون فقط رحلة عابرة إلى البريق والخط، بل هي اكتشاف لجوهر ومعرفة ولإيضاح رمز، وللتمتّع بمشهديّة فيها الكثير من روح العطاء.
وأما الموضوعات التي تتمحور حولها أعمالي، عمومًا، فهي الإنسان أولاً، فالأرض والشجرة والبيت… تاركًا للمخيّلة حق مشاركة العين في اكتشاف أسرار كثيرة تنبع من الداخل، من الذات.
الإنسان والكتاب والشجرة
ـ تضع الإنسان في مكانة خاصة، ومميزة، كيف تصفها؟
* منذ حوالى ثلاثين عامًا قال أحد الفلاسفة الألمان: ان الشعوب ذات الحضارة المميزة هي الشعوب التي تكرّم الإنسان والكتاب والشجرة… وسرّ الإنسان يكمن في إنتاجه، إذ ليس المهم أن نصنع… بل كيف نصنع… في «الكيفية» يُظهر كل شخصيته تمايزه وتفرّده…
أنا أصرّ على حضور الإنسان، شبه الدائم في لوحاتي… أنا مفتون به. أصوّره، أصوّر مجموعات من الناس في حصاد القمح، في قطاف الزيتون، في قلب المواسم… أما الشجرة فدورها أيضًا بارز ولا أرى شجرة تشبه شجرة أخرى. لكل واحدة خصائصها وشكلها ومميزاتها… وأراها من خلال عين الفنان وربما تكون مرآة ذاته…
ـ وماذا عن الكتاب والبيت الذي يحتل مساحات في لوحاتك؟
* الكتاب رسالة ومضمون، ولا يؤخذ عند المفكر أو الباحث بمنظار الحجم، أو الشكل أو الأناقة… انه قيمة ثقافية تشمل مختلف قطاعات العمل الفكري والفني…
وأما البيت فله قصة قديمة لها مفهوم خاص، بدءًا من الهندسة والشكل الخارجي حتى دفء الداخل ومفهوم الأمان والاستقرار، وبرغم تصويري للبيت بشكل مستمر، فإن هذا العمل ليس تكرارًا بقدر ما هو رؤية تأليفية ذات فرادة.
معادلة أساسية
ـ يقال ان «الهم» الإنساني معادلة أساس في الفن، لماذا؟
* لم يبتعد فنّي في مرحلة من مراحله عن «الهم» الإنساني، إذ بدون الإنسان تسقط كل المعادلات، لا يعود للعمل معناه، يتجرد من نفحة الحياة التي تبقيه متوهجًا وقريبًا من العين والقلب.
لذا فإن الرسام يدرك تمامًا ماذا يفعل، حتى حين دخوله حالة اللاوعي الإبداعي، لا يفرّق بين الخط واللون والحركة الضوئية المنبعثة من صلب الموضوع، واضعًا الإنسان في كل رقشة لون، ولو بشكل سري أحيانًا، مؤكدًا بذلك أن وجود الإنسان ـ الفنان هو محور البيئة إذ بيده سرّ الكلمة، الخط، واللون، ووجوده حقق الحلم الذي يفجر العاطفة النابعة من ميول داخلية بما فيها من أفكار ومشاعر وانفعالات.
من هنا نرى ان مجرد التعبير يكشف نبضًا إنسانيًا، غير منظور، وغير خاضع للقوانين الفيزيائية، فالجمال موجود في كل مكان، لكنه لا يتجلّى لسوى المحبة، فأي فنان أصيل لا يستطيع خلق عمل فني من غير أن يكون مغمورًا بالمحبة.
وهكذا فالفنان يمرّ في عملية الخلق من الخيال إلى التأليف، فإلى الصورة، وبذلك يتكوّن العمل الفني الذي ينبض بالحرارة الإنسانية الحقيقية.
ـ كيف تحدد المدارس الفنيّة؟
* يسهل على الناقد أو الباحث، الكلام على المدارس الفنية، إذ هو من صلب عملها، بينما يجد الفنان في ذلك صعوبة بالغة، فالفنان لا يستطيع أن يكون موضوعيًا حقًا في كلامه على هذه المدرسة الفنيّة أو تلك، إذ لا بدّ له من أن يتخذ موقفًا منها، لأنها في المقابل تتخذ موقفًا واضحًا ومقررًا من أعماله ومن ناحية أخرى. الفنان في الوقاع لا يلتزم بمدرسة فنيّة كل الالتزام، وإنما يلتزم بالموضوع الذي يتناوله، وقد يفرض هذا الموضوع أحيانًا أسلوب معالجة خاصًا بمدرسة فنية معينة، كما قد تدفعه ظروف عمله للنظر إلى الموضوع من وجهة نظر خاصة بمدرسة فنية مغايرة.
وهذا الواقع، يؤدي إلى نتيجة واضحة هي ان لكل فنان حقيقي مدرسة خاصة به وحده، وهذا التمييز يحرّر الفنان إلى حدّ بعيد من القيود الفنيّة التي وضعها النقّاد، ولكن مهما تعدّدت المذاهب الفنيّة وتنوعت فإنها تلتقي حول محور واحد هو الإنسان. وهذه النزعة الإنسانية في الفن، ألتزمها في كل أعمالي، لأنها تنسجم وتكويني الشخصي، كما أجد فيها امتدادًا طبيعيًا لحضارة وطني وتراث أمتي.
بين القبول والرفض
ـ في الفن التشكيلي، كما في غيره من الفنون ظواهر تواجه بالقبول أو الرفض. أين أنت منها؟
* يواجه المجتمع بعض هذه الظواهر الفنيّة بالمعارضة لا لأنه لم يفهمها، وإنما لأنه لم يتذوقها، أو لم يعجب بها، لكنها شقت طريقها وأثبتت وجودها من خلال الروائع الفنية التي خلفتها. على كل حال، فإن معارضيها لم يتفهموا أصحابها يومًا.
أما الظاهرة الغريبة، فهي «اللاانسنة» التي برزت في الفترة الأخيرة، والتي سرت إلى كل أنواع الفنون كالرسم والنحت والشعر والموسيقى والفن المعماري… ولا بد لي من الإشارة إلى أنني لا اقسم الفن: كلاسيكيًا ومعاصرًا، ففي الفن المعاصر قيم أقدرها حق قدرها واحترمها كل الاحترام. أما ما نجده من غموض وفوضى واهمال في بعض الأعمال المعاصرة فهو يجعل الفن غير شعبي، إذ يجرده من كل الصلات التي تربطه بالشعب، ذلك ان القضية ما عادت قضية اعجاب أو ذوق وإنما فهم أو عدم فهم.
وقد انقسم المجتمع حيال هذه الظاهرة، فثمة قسم ضئيل يدّعي انه يفهم هذا الفن، والقسم الآخر وهو أكثرية المجتمع، يقرر انه لم يفهمه، وبالتالي فليس لديه حكم يطلقه على هذا الفن، وإنما تولد لديه موجة رفض له، هي نتيجة للشعور بالقرف والاحساس بأن هذا العمل الفني لا يحترم الإنسان، ولا القيم الإنسانية، فيما تعتبر القلة التي تدّعي الفهم إنها هي النخبة، وهي متفوقة على الآخرين وهنا يرد الدجل والضجيج الكلامي: ليس من الضروري فهم العمل الفني وإنما يكفي أن يحس المرء وأن يشعر وأن تطرب عيناه للألوان وللأشكال وللزخرفة.
ـ كيف تنظر إلى الفوضى التي تشهدها الحال الفنيّة في هذه المرحلة؟
* ما أخشاه من نزعة الفوضى والعنف والجهل والشعوذة المجانية، هو أن تحول لعبة الابتكار الفني عن مسارها الطبيعي إلى مسار انحطاطي ينتهي بالموت الذي به زوال الإنسان، إذ بإنحطاطه تنحط البيئة وتحرم من صنيعتها المميّزة.
العمل الفني إرادة قبل كل شيء. وهو بالتالي قيمة والفنان هو من يحشد أفكاره وحواسه وكل امكاناته في العمل الفني.
ماذا عن الحلم؟
* الحلم، هو المسيطر على أعمالي، فهو نوع من الحياة. حياة الدماغ، يتحول إلى شعر ولون وموضوع يفهمه المجتمع، ويصبح بالتالي حقيقة تتجاوب معها النفس البشرية لا مجرد خيال عابر.
ـ … وماذا ترفض؟
* أرفض أن تتحول اللوحة إلى حكاية عادية… أو إلى رمز أدبي باهت… التصوير يحمل مدلولات كثيرة ذات آفاق لا حدّ لها.