“لبانون آرت” مبادرة فنية أملتها الأزمات المتعاقبة
الزيارة الافتراضية لأعمال الفنانين اللبنانيين بديل حتمي عن الإغلاق.
الجمعة 2021/02/26 – alarab.co.uk

الزيارة الافتراضية للوحات الفنية ليست بتجربة جديدة في العالم، ولكنها لاقت استحسانا كبيرا في السنوات الأخيرة. أما في لبنان فقد ارتفع منسوب الزيارات الافتراضية عاليا في السنتين الأخيرتين وباتت قريبة من حيث المضمون من باقي المواقع الأجنبية، وغدا تصميمها الغرافيكي يضاهيها فنيا في أمثلة كثيرة.

بيروت – من المواقع العربية الناجحة التي تشقّ طريقها في العالم الافتراضي ما صمّمه وليام مطر ابن الفنان اللبناني المكرّس جوزيف مطر منذ سنوات عديدة، وأطلق عليه اسم “لبانون آرت” الذي جاء أولا كتحية لوالده الفنان، قبل أن يصبح متاحا لكل الفنانين اللبنانيين تقريبا.

أنشأ مطر الابن موقعا افتراضيا، كما أسلفنا، كتحية لوالده جوزيف، واظب من خلاله على نشر أعماله الفنية القديمة منها والجديدة. أعمال تشي بلبنانيتها الطاغية وأجوائها الملونة التي تتغنّى بالطبيعة وتنحو إلى نشر كل ما آمنت به الإنسانية قبل أن يحل الزمن الذي تراخت فيه تلك المبادئ.

ولم يمر زمن طويل على إنشاء الموقع حتى توسّعت آفاقه ليكون داعما لأعمال الفنانين اللبنانيين من خلال عرض احترافي لأعمالهم والتعريف بهم أمام الجمهور اللبناني والجمهور العالمي.

أسباب موضوعية

لعل النجاح الذي يلاقيه هذا الموقع لا يعود فقط إلى اهتمام وليام مطر بنشر أعمال والده ومن ثم أعمال الفنانين للبنانيين، بل جاء لعدة عوامل تلاحقت بسرعة كبيرة، في لبنان، خلال السنتين 2019 و2020 وصولا إلى بدايات هذه السنة.

نذكر أولا اندلاع الانتفاضة اللبنانية التي كان من شأنها أن تطلق عجلة الأعمال الفنية، ولاسيما الغرافيتي والكوميكس التي كان ينشرها الفنانون الناشئون والمكرّسون على السواء عبر مواقعهم الافتراضية، وذلك لسرعة تحقيقها ونشرها حتى تواكب حوادث الانتفاضة المُتسارعة.

وبدأ هؤلاء بنشرها من خلال وضعها على مواقع إلكترونية ومن ضمنها موقع “لبانون آرت”، وكانت الصالات الفنية آنذاك لا تزال عاملة ضمن برنامجها الفني السنوي، ولكن ازداد الاهتمام بها مع تقلص عدد المعارض بشكل ملحوظ.

ولم تكن الانتفاضة قد خفّت بعد حتى جاء زمن انتشار وباء كورونا الذي دفع بعدد كبير من الصالات إلى إقفال فضاءاتها في مختلف المناطق، ولاسيما في بيروت ما أدّى إلى تحوّل الكثير من الفنانين إلى العرض الافتراضي، ورافقت ذلك ولادةُ فنانين جدد سنح لهم الوقت الذي أمضوه في البيت محجورين في التعرّف على مواهبهم الفنية والعمل على صقلها.

أضف إلى ذلك، أنه ما من أحد من العالم الفني لا يعلم مدى الصعوبة التي يلقاها هؤلاء الفنانون الصاعدون في أن يجدوا صالة فنية تقليدية تعرض لهم، خلافا للمواقع الافتراضية المُتخصّصة وغير المُتخصّصة التي استطاعوا أن ينشروا فيها أعمالهم بسهولة ملحوظة.

لم يمض على انتشار الوباء وما كرّسه من إغلاقات للغاليريات الفنية الواحدة بعد الأخرى، حتى عمدت العديد من تلك الصالات إلى خلق مساحات افتراضية لها لكسر الصمت وتحريك العرض ثم البيع.

وقد سارعت العديد من الصالات الفنية، ولاسيما صالة “جنين ربيز” وصالة “أليس مغبغب” بالدخول إلى مهرجانات ومناسبات عالمية فنية مرموقة عبر العرض الافتراضي المفتوحة آفاقه، في حين تغيّبت صالات أخرى لافتقارها البنى التحتية الافتراضية التي تحتاجها ضرورة التعامل مع المواقع والتطبيقات المُخصّصة لمثل هكذا عروض.

ثم جاء انفجار مرفأ بيروت ليكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. لم تعلق معظم صالات العرض نشاطها الفني فحسب، بل اضطر بعضها إلى الإغلاق تماما، أما البعض الآخر فقد تعرّض إلى دمار يصعب ترميمه في زمن الإقفال وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية بشكل جنوني بالنسبة إلى الدولار الأميركي.

وكانت هناك صالات عرض مثل “آرت لاب” المقدامة (من الصالات القليلة كصالة “رميل” التي تعرض لفنانين ناشئين لم يسمع بهم أحد من قبل) قرّرت أن تتحوّل حصرا إلى العرض الافتراضي، لو لم تلق دعما ماديا من الخارج ومن بعض الفنانين اللبنانيين وغير اللبنانيين الميسورين الذين يعيشون خارج لبنان.

العرض خارج لبنان بات أيضا شبه مستحيل بالنسبة إلى الأكثرية الساحقة للفنانين، وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية الهائلة وصعوبة التنقل والسفر بسبب انتشار الوباء وإقفال المطارات الخارجية.

حلول بديلة

في هذا الجو الخانق كان لا بد أن يكون مكان آخر بديلا عن أرض الواقع الذي بات يستحيل فيه العيش بأبسط شروطه، فكيف إذا اقترن بالنشاط الفني الذي بالرغم من أهميته الفائقة بات أقل أهمية من الأمن والدواء والطعام؟

المكان البديل للقاء الأحباب والتعرّف على الغرباء وتعريف الآخر مهما كان بعيدا جغرافيا عنه بعمله الفني أصبح المجال والفضاء الافتراضي، ومن ضمنه حتما صالات العرض الافتراضية وصولا إلى المواقع الافتراضية المُتشعبة والمُخصّصة للعرض الفني.

ومن تلك المواقع، وربما بلا منازع حتى الآن موقع “لبانون آرت” المُتخصّص في عرض الأعمال الفنية اللبنانية، وليس حصرا، بغض النظر عن إن كانت الأعمال الفنية المعروضة جديدة أو مُكرّسة.

وعن جدوى هكذا مواقع ومدى إسهامها في التعريف بالفنانين اللبنانيين في الخارج يقول المحامي وليام مطر مختصرا ما تعنيه الإنترنت ومواقع العرض الإلكتروني بهذه الكلمات “يدخل إلى موقعنا أكثر من 50 زائرا يوميا.. إن مستقبل الفن هو الافتراضي. والإنترنت هو الجنة الافتراضية التي وحدها بإمكانها أن تأخذنا إلى أي مكان في العالم مهما كان بعيدا”.

وجوزيف مطر الذي يحتفي به ابنه وليام وبمنجزه الفني الغزير في “لبانون آرت” من مواليد العام 1935، بدأت مسيرته الفنية منذ حوالي 70 عاما، درس الفن في لبنان ومن ثم مدريد وروما وباريس، وكان على اتصال دائم بفنانين لبنانيين رواد من أمثال عمر أنسي وجورج قرم ورشيد وهبي.

وفي رصيده أكثر من 60 معرضا فرديا في لبنان والعالم، كما تمتلك متاحف دول أجنبية وعربية كثيرة العديد من أعماله الفنية، ولمطر مساهمات عديدة في دعم المؤسسات الإنسانية خاصة على الصعيد اللبناني، فجزء من مبيعات مجموعة “إيحاءات ضوئية مشرقة” عاد ريعه إلى مركز معالجة سرطان الأطفال في لبنان.

ميموزا العراوي
ناقدة لبنانية